"أعلم أنكم تسمعون كثيرا بأمر يدعى سلاسل التوريد"، هكذا تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي، في خطاب يشرح فيه للأمريكيين سبب استغراق أحذيتهم الرياضية، وأجهزتهم للتحميص، ودراجاتهم، وأثاث غرف نومهم وقتا طويلا للوصول إليهم هذه الأيام.
إنه لأمر غير اعتيادي لرئيس دولة عظمى أن يقضي كثيرا من الوقت للتحدث عن اللوجستيات وسلاسل القيمة لعامة الشعب. لكن هذه لحظة غير اعتيادية أدت فيها عقبات سلسلة التوريد والنقص في العمالة إلى تراجع الموانئ لأسابيع أو حتى أشهر ليس فقط في الولايات المتحدة، لكن أيضا في المملكة المتحدة وأوروبا وعديد من الأماكن الأخرى حول العالم.
يعود كثير من ذلك إلى جائحة كوفيد -19، بالطبع، وإلى دورات التعافي الوطنية غير المتزامنة التي أدت إلى عدم التوافق بين العرض والطلب على عديد من المنتجات. ينبغي أن يتم تخفيف هذه الدورات في النهاية مع انحسار الفيروس. لكن اضطرابات الموانئ سلطت الضوء على المشكلات الأكبر في الاقتصاد العالمي، بدءا من عدم توافق المهارات والوظائف إلى الاعتماد المفرط على الصين مزودة لأي عدد من المنتجات الأساسية.
سرعان ما أصبح تراجع ميناءي لوس أنجلوس ولونج بيتش قضية سياسية رئيسة في الولايات المتحدة، لأنهما يمثلان 40 في المائة من إجمالي واردات شحن البضائع في البلاد. لكن كثيرا من الناس يأخذون الدروس الخاطئة من ذلك - لا يمكن العثور على عمال موانئ بسبب شيكات التحفيز الحكومية التي توفر عائقا عن العمل، أو أننا نعود إلى عقد من الركود التضخمي، أو أن المشهد التجاري سينتهي به الأمر مثل مبدأ عدم التدخل في التسعينيات أو سياسة إفقار الجار في الثلاثينيات. أشك أن أيا من ذلك سيثبت أنه صحيح، لكن هناك عدة دروس مختلفة أفضل ينبغي تعلمها من المشكلات الحالية.
أولا، الثغرات في سلسلة التوريد ليست وحدها المسؤولة عن مشكلات إيجاد العمالة في بعض القطاعات. لعب التعطيل التكنولوجي وخيارات السياسة دورا أيضا. مثلا، كان هناك نقص في الوظائف في العاملين في الموانئ وفي قيادة الشاحنات في الولايات المتحدة قبل كوفيد بوقت طويل، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن عديدا من برامج التدريب قد تم إغلاقها في الأعوام الأخيرة، وكان الناس يبتعدون عن هذه الوظائف بعد أن تم تحذيرهم لفترة طويلة من أن الأتمتة والسيارات ذاتية القيادة ستأخذ وظائفهم.
وعلى الرغم من التباطؤ في طرح المركبات ذاتية القيادة بشكل أكثر من المتوقع، إلا أنهم محقون في الاعتقاد بأن وظائفهم ستتعطل بسبب التكنولوجيا. لقد تم شغل عديد من الوظائف الجسدية الصعبة بالآلات والروبوتات في الأعوام الأخيرة، وسيحدث ذلك لكثير من الوظائف الأخرى. التداعيات الاقتصادية والسياسية للجائحة تغذي هذا الاتجاه فقط. شاهد صانعي النبيذ الإيطاليين، الذين لم يعد بإمكانهم العثور على مهاجرين للعمل في حقولهم، لقد بدأوا بشراء قاطفات عنب آلية، أو المزارعين الفرنسيين الذين يستثمرون في الروبوتات الزراعية لحصاد المحاصيل. لن تكون الأعمال المكتبية الأخرى في مأمن من الأتمتة أيضا، حيث تبحث الدول والشركات المتضررة من الجائحة عن طرق لتوفير التكاليف.
بالفعل، باستثناء العمل المعرفي المتطور للغاية وأعمال الرعاية ذات المستوى الأقل التي تتطلب اتصالا وثيقا، من الصعب رؤية أين تكمن الفاعلية طويلة الأمد ما لم تكن هناك تحولات هيكلية أكبر في اقتصاد الولايات المتحدة.
في حين أن بعض مراقبي السوق قلقون بشأن قدر ضئيل من تضخم الأجور، تجادل دراسة جديدة لجامعة كورنيل أنه في الولايات المتحدة، من المرجح أن يستمر تدني مستوى التشغيل في فرض تحديات في الأعوام المقبلة. يجادل مؤلف الدراسة، دانيال ألبرت، أنه ما لم يتم إنتاج مزيد من السلع التي يحتاج إليها البلد محليا، فإن وجود بشر في السوق في حال الانتعاش والركود، والبرمجيات بينهما، هو الوضع الطبيعي الجديد.
بالطبع، لو كان صناع السياسة والشركات الأمريكية أكثر ذكاء، لكانوا قد أنشأوا مجالس عمل على الطراز الألماني ونظام إجازة مؤقتة حتى يتمكن القطاعان العام والخاص والعمالة من العمل معا لتقاسم فوائد الانتعاش، ولكن أيضا للتعامل بسرعة أكبر مع المخاطر السلبية للاضطرابات المرتبطة بكوفيد. لم تكن ألمانيا محصنة ضد اضطراب الموانئ، لكن مخطط العمل قصير الأمد الخاص بها في نظام التأمين، كورزاربيت، كان أفضل في التخفيف من فترات الصعود والهبوط المرتبطة بالركود والانتعاش خلال العقدين الماضيين مقارنة بالنموذج الأمريكي. وفي حالته الراهنة، أدى نموذج العمل الأنجلو أمريكي للتوظيف السريع والفصل من العمل إلى وضع يتعين فيه على الرئيس تخفيف المعارك بين الشركات والنقابات لتشغيل الموانئ على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. من الواضح أن هذا النموذج يفشل في اختبار المرونة بعد الجائحة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى سلاسل التوريد العالمية شديدة التعقيد، التي عملت بأقصى طاقتها الواضحة حتى قبل فيروس كوفيد. قبل أعوام من إطلاق بايدن حملة "اشتر أمريكا" أو حروب التعرفات الجمركية التي قادها دونالد ترمب، كان عدد من الشركات متعددة الجنسيات الكبرى تعمل على تقليص سلاسل التوريد العالمية المعقدة وإعادة هيكلة الإنتاج بحيث "يتركز بشكل متزايد في المراكز الإقليمية والمحلية الأقرب إلى الأسواق النهائية"، وفقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2016. لقد كان هذا لأسباب عديدة، من تغيير هياكل تكلفة الأسواق الناشئة، إلى الرقمنة المتنامية للتصنيع، إلى فوائد الابتكار في وضع مراكز البحث والتطوير داخل المصانع، وإدراك التقليل السابق من قيمة تكاليف العولمة.
تنبع إحدى هذه التكاليف، بالطبع، من عدد قليل جدا من الدول والشركات التي تتحكم في قيمة كبيرة جدا. أحد أفضل الأشياء التي يمكننا القيام بها لتجنب التراكم في الموانئ في المستقبل هو وضع ما أطلق عليه المدافع المناهض للاحتكار ومؤسس معهد الأسواق المفتوحة، باري لين، "قاعدة الأربعة" - ألا تتجاوز الإمدادات المهمة الآتية من مكان واحد أو الآتية إلى ميناء واحد 25 في المائة.
إنها قاعدة سهلة الفهم خالية من أي قومية. وقد يساعدنا ذلك على الحصول على هدايا عيد الميلاد في الوقت المحدد في المستقبل.