"كردستان العراق" ساحة صراع محتدمة بين تركيا وإيران

كتب بواسطة: سليمان الوادعي نشر بتاريخ: السبت، 23 تشرين1/أكتوير 2021 17:13

عند الحديث عن مواقف الطرفين التركي والإيراني حيال ملف كردستان العراق، لا سيما مع تزايد هجماتهما العسكرية على الإقليم أخيراً، يجدر التنويه ابتداءً إلى عوامل أربعة أساسية تتأثر بها جل حسابات البلدين الخارجية تجاه الإقليم الكردي.

العوامل الأربعة

العامل الأول تطلع الكرد الدائم نحو دولة مستقلة، الذي يعود إلى عشرينيات القرن العشرين، فعلى الرغم من العراقيل السياسية وإشكاليات التسليح وتشرذم الجبهة الداخلية الكردية، فإن النضال الكردي لم يتوقف، وكانت له محطات تاريخية مفصلية، أهمها قيام جمهورية مهاباد شمال غرب إيران بدعم سوفياتي واجهه الشاه البهلوي وحلفاؤه الغربيون بالقمع عام 1947، ومن ثم مواجهات "حركة البرزنجي" المسلحة ضد الانتداب البريطاني في العراق، ومن بعده الصراع المسلح بقيادة مصطفى بارازاني للكرد ضد الحكومة العراقية في بغداد خلال عقد الستينيات، وأيضاً تكبد الأكراد خيبة أمل كبرى بعد تخلي شاه إيران والولايات المتحدة الأميركية عنهم عند توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975، فضلاً عما جناه أكراد العراق خلال التسعينيات من حملات التنكيل الموسومة بـ"الأنفال" من قبل صدام حسين، قبل أن يفرض حظر طيران دولي على مناطقهم الجغرافية خولهم بعد عقد من الزمان الحصول على الاعتراف بالحكم الذاتي عام 2005 وتضمين ذلك في الدستور العراقي.

زبدة القول أن الطموح الكردي نحو الاستقلال لم تخمد جذوته، والدولتان التركية والإيرانية باعتبار المكونات الكردية داخل نطاقهما الوطني تُولِيَان ما يجري في ساحات الأكراد الإقليمية قاطبة قدراً كبيراً من الاهتمام، مخافة أن يتسرب ذلك الطموح إلى الأقليات الكردية لديهما أو يترجم إلى مزيد من التحركات الكردية الانفصالية، لذا أظهرت الدولتان معارضتهما الحاسمة مساعي استفتاء الاستقلال الذي أقامه الأكراد في العراق عام 2017.

ثاني العوامل هو إشكاليات الأمن القومي والإرهاب، فأول اتفاقية أمنية موقعة بين تركيا وإيران في إطار الورقة الكردية تمت في سبتمبر (أيلول) عام 1993 (دخل العراق طرفًا ثالثًا في الاتفاقية)، وهدفت إلى حفظ الأمن الحدودي. ولغرض منع الكرد من تشكيل دولة مستقلة في شمال العراق، عقدت الدولتان التركية والإيرانية، بمشاركة سوريا، سلسلة من المؤتمرات منذ عام 1992، واستمرت المؤتمرات تلك حتى عام 1995 الذي تفاقم فيه نزاع الحرب الأهلية الكردية لتتدخل تركيا بدعم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارازاني، وإيران بدعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة طالباني. وما زالت الإشكاليات الأمنية التي تفرضها الورقة الكردية محفزاً للبلدين، لتدعيم مجالات التعاون السياسي بينهما، ولتوقيع مذكرات التفاهم بغية تعزيز الأمن الحدودي ومكافحة الإرهاب كي يتجنبا التفجيرات المتكررة لأنابيب النفط والغاز على غرار حادثة تفجير مارس (آذار) عام 2020، التي عطلت تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا.

ثالثاً، ضعف الحكومتين المركزيتين في سوريا والعراق له تداعيات متفاقمة على الوضع القائم في الساحات الكردية وعلى سياسات إيران وتركيا الخارجية تجاه الأكراد. وبالنسبة إلى العراق، فالحكومة العراقية منذ التسعينيات فقدت السيطرة على الشمال الكردستاني عام 1992 بموجِب الحظر الجوي المفروض من قِبل الأطراف الغربية ومجلس الأمن الدولي، وازدادت الحكومة المركزية ضعفاً من بعد عام 2003 جراء الانقسامات الطائفية وتعارض المصالح الداخلية التي تغذيها تدخلات الأطراف الإقليمية. وحالة العراق كقوة إقليمية متهاوية حتمت على القوتين الأخريين تركيا وإيران التنافس على بسط النفوذ داخل أراضيها.

رابعاً، ينتاب إيران وتركيا -بتفاوت- مخاوف عدة جراء التوظيف الدولي والإقليمي للورقة الكردية ضد مصالحهما الاستراتيجية. لا سيما أن اللاعبين الدوليين الذين يستغلون الورقة الكردية كثر، وهدفهم الدفع بمصالحهم في إقليم الشرق الأوسط عبر الاستفادة من الورقة الكردية في الضغط على تركيا أو إيران في سياق علاقاتهم الثنائية بالبلدين، وأهمهم الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية، أما إقليمياً فتبرز إسرائيل التي تحاول بكل ثقلها مد جسور العلاقة مع القيادات والأحزاب الكردية.

حيثيات الضربات العسكرية "التركية-الإيرانية" ضد الإقليم

أحد أهم أولويات السياسة الخارجية التركية هو مواجهة التهديد القومي الذي يشكله حزب العمال الكردستاني، آخذين في الاعتبار أن تعداد الأكراد في تركيا يصل إلى نحو 20 في المئة من إجمالي السكان. حزب العمال تأسس على أيديولوجيا قومية وثورية ماركسية تنشد الانفصال عن تركيا، لكنه مع تطور الأحداث خلال العقود الماضية قيد طموحه بحصول الأكراد على حكمٍ ذاتي وتمتعهم بحقوقهم داخل الأراضي التركية. وقد قامت مباحثات سلام بين الحكومة التركية والحزب الكردي عام 2013، بيد أنها سرعان ما انهارت ولم تصمد أكثر من عامين، إذ شن الطرفان الحرب على بعضهما بعضاً.

سياسة تركيا الخارجية تجاه إقليم كردستان العراق، علاوة على كبح التطلع الكردي نحو الاستقلال، ترمي إلى تكثيف عملياتها العسكرية ضد معاقل حزب العمال في كردستان العراق. وخلال العامين الماضيين شنت تركيا عدة عمليات عسكرية في الشمال العراقي بهدف ملاحقة مقاتلي الحزب واجتثاث جذوره، فأطلقت عملية "مخلب النسر" في منتصف عام 2020، ومن ثم تبعتها عملية "مخلب النسر 2" في فبراير (شباط) 2021 في منطقة غارا بقضاء العمادية التابعة لمحافظة دهوك بإقليم كردستان.

والعملية الثانية كانت تهدف إلى تحرير ثلاثة عشر أسيراً تركياً كانت تحتجزهم قوات حزب العمال الكردستاني، لكنها لم تؤتِ أُكُلَها، بل إن أنقرة اتهمت حزب العمال بقتل الأسرى خلال العملية، فيما رد الحزب بأن القصف التركي لكهفٍ في جبال غارا هو ما أودى بحياة الأسرى جميعهم. ولم تكتفِ تركيا بهاتين العمليتين، بل ألحقتهما العملية الثالثة، "عملية مخلب البرق" في أبريل (نيسان) من العام الحالي. وما زالت تركيا تشن هجماتها ضد معاقل الحزب في كردستان العراق بين الفينة والأخرى، ولديها ثكنات عسكرية متعددة بالداخل العراقي، بذريعة التصدي لـ"إرهاب" حزب العمال الكردستاني، وبحجة غياب الحزم العسكري المنشود من قبل الحكومة العراقية المركزية.

أضف تعليق

أخر المقالات

فشل سياسة «شراء الذمم».. أمريكا...

لطالما بذلت المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة في محاولة للتغطية على جرائمها وانتهاكاتها في اليمن؛...