على الرغم مما تتمتع به ايران من قدرات اقتصادية من احتياطيات النفط والغاز الطبيعى، حيث تحتل المرتبة الأولى بين أكبر 10 دول منتجة للنفط في العالم وأكبر 5 منتجين للغاز الطبيعي. كما تحل في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي التى تقدر بنحو بـ 17,5٪ من إجمالي احتياطيات الغاز، ويصل الإنتاج الإيراني من الغاز الطبيعي حوالي 184.8 مليار متر مكعب (2015) محتلة بذلك المرتبة الثالثة عالميًا. بينما تبلغ احتياطي الغاز الطبيعي 33.5 تريليون متر مكعب/2017، لتحتل المرتبة الثانية عالميًا. وتبلغ المرتبة الرابعة من حيث احتياطيات النفط الخام المثبتة، ويحتل سوق النفط الإيراني المرتبة الخامسة عالميًا ، حيث يبلغ انتاج إيران من النفط الخام نحو 4,7 مليون برميل/ يوم عام (2017)، وبرغم تلك المزايا فقد حرمت العقوبات الامريكية إيران من تعظيم الاستفادة من مواردها.

وتعد العقوبات أداة رئيسية فى سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه إيران بعد الثورة الإيرانية، فقد فُرض على النظام الإيراني عقوبات اقتصادية في ظل العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، ففى عهد إدارة بيل كلينتون تمحورت سياسات التصعيد والضغط على إيران بتبنى الإدارة إستراتيجية الاحتواء المزدوج لاحتواء كلًّ من إيران والعراق، بهدف الإبقاء على كلاهما ضعيفًا ومنذ ذلك الحين تفاقمت العقوبات على إيران ما بين الحظر التجاري عام 1995 مع حظر الإدارة اى استثمارات أمريكية فى فى النفظ الإيرانى، وفي عام 1996 أقر الكونجرس قانون داماتو على إيران وليبيا، لحظر الاستثمارات في قطاع الطاقة في إيران (قانون عقوبات إيران) ويحظر القانون على شركات النفط الدولية ذات المصالح مع الولايات المتحدة الاستثمار في إيران. وفي 6 سبتمبر 2006، منعت وزارة الخزانة البنوك الأمريكية من التعامل مع أي معاملات غير مباشرة (المعاملات المنعكسة، ويقصد بها المعاملات مع البنوك الأجنبية غير الإيرانية التي تدخل فى معاملات نيابة عن البنوك الإيرانية. كمافرضت الأمم المتحدة بين عامى 2006 و2010 أربع جولات من العقوبات الاقتصادية على إيران.

و استمرت إدارة أوباما في تكثيف تطبيق العقوبات التي فرضت في أواخر سنوات بوش، وتمت معاقبة العديد من الأفراد والمؤسسات لأسباب متنوعة كثيرة، من انتهاكات حقوق الإنسان إلى الاتجار بالمخدرات. ودفعت الشركات التابعة للبنوك الأجنبية في الولايات المتحدة أكثر من 14 مليار دولار كعقوبات على انتهاكات لوائح العقوبات، ومعظمها يتعلق بالمعاملات مع إيران، وفي يونيو 2010، أقر الكونغرس بأغلبية ساحقة ووقع الرئيس أوباما على قانون العقوبات والمساءلة وإزالة الاستثمارات الشامل (CISADA) والذي استهدف توريد المنتجات البترولية المكررة المرسلة من إيران إلى شركات غير أمريكية. وفى نوفمبر 2011 اتخذت الإدارة الأمريكية خطوات إضافية لعزل النظام المصرفي الإيراني وإثناء البنوك والبلدان الأجنبية عن التعامل مع أي بنك إيراني. وذلك لاستمرار إيران فى رفض قبول التنازلات للحد من برنامجها النووي.

خلقت هذه العقوبات ركودا، تسبب في انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6.6 ٪ في عام 2012، لكنه نما بنسبة 1.9 ٪ فقط في عام 2013 و 1.5 ٪ في عام 2014.

وبشكل عام تلقت العقوبات المفروضة خلال عامي 2010 و 2013 دعما وتعاونا دولياً واسعين وكانا فعالين فى التسبب فى مزيد من الصعوبات الاقتصادية في إيران. وقد نتج عما سبق من محاولات عزل إيران اقتصادياً، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وانخفاض مبيعات النفط وخروج إيران من التعامل مع النظام المالى العالمى.

الا انه وبعد توقيع لخطة العمل المشتركة الشاملة كان لها دورا فى تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن ساءت علاقات مع إيران حول القضايا الإقليمية قد ساءت في بعض النواحي منذ تم الانتهاء من الاتفاق، ففي أكتوبر ونوفمبر 2015، أجرت إيران اختبارات على صواريخ باليستية مما عُد انتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة. كما زادت إيران من تورطها في الصراع السوري. لكن بالنظر إلى نجاح خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع إيران، فقد عزز قدرتها على زيادة دعمها العسكري لحلفائها الإقليميين، ذلك أنه بموجب الاتفاق تم العمل بقرار مجلس الأمن 2231 لسنة 2015 والذي ينص على إنهاء العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن المسألة النووية الإيرانية، ويضع القيود المحددة التي تسري على جميع الدول دون استثناء، وبالتالي سيتم رفع الحظر على استيراد وتصدير الأسلحة الإيرانية في مدة أقصاها خمس سنوات.

كما منح الاتفاق دفعة للاقتصاد الايرانى، فأوروبا ارادت تعظيم مصالحها الاقتصادية والنفاذ إلى السوق الإيرانية، فقد رفع الأوروبيون الحظر عن واردات النفط والغاز الإيراني واستحوذت أوروبا على 34٪ من مبيعات شركة النفط الوطنية الإيرانية حتى يوليو 2017، مقارنة بـ31٪ في نهاية عام 2016. كما وقعت شركة توتال الفرنسية وشركة الصين الوطنية تفاهمًا لتطوير حقل بارس، فضلًا عن شركات السيارات الفرنسية والألمانية لتوسيع الإنتاج بإيران وتعاقدات شركة سيمنز الألمانية، ووصلت صادرات ألمانيا إلى إيران في عام 2017 إلى 3 مليارات يورو.

وفي عام 2018 بلغت صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات ذروتها في يونيو حيث وصلت حوالي 2.7 مليون برميل يوميًا، أي ما يقرب من 300,000 برميل/اليوم أعلى من المتوسط خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام (قبل إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مايو الإنسحاب من الاتفاق النووي، وقد انخفضت صادرات إيران من النفط الخام وإنتاجها مع إعادة فرض العقوبات على إيران، ففي سبتمبر 2018، انخفضت صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات إلى 1.9 مليون برميل في اليوم.

و استؤنفت واردات النفط من إيران في مارس 2016، وعادت إلى مستويات 2011 تقريبًا والتى كانت نحو 600,000 برميل يومياً. و تم رفع الحظر على كلاً من التأمين على شحن النفط أو البتروكيماويات من إيران وتجميد أصول العديد من الشركات الإيرانية المشاركة في الشحن.

وكان خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي فى مايو 2018 فى ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد، مفضيًا لعودة العقوبات الأمريكية، والتى تستهدف بالأساس الضغط الاقتصادي على إيران وإعاقة دمجها فى الاقتصاد العالمي، وتخوف الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية، وبالتالي دفع ذلك الموقف تلك الشركات للمقارنة بين المنافع من الاستثمار فى إيران والسلبيات التى قد تطالها جراء العقوبات الأمريكية. لذا أحجمت الشركات الدولية عن تقديم استثمارات جديدة في إيران بسبب التهديد من إدارة ترامب لإعادة فرض العقوبات التي تم رفعها. مما أدى إلى مزيد من تدهور العملة الإيرانية وتأجج الاحتجاجات عدة مرات عام 2017، و2018 و 2019 على خلفية الضائقة الاقتصادية، مماحدا بالحكومة إلى إجراء تغييرات فى المناصب الاقتصادية، كرئيس البنك المركزى ووزير المالية، من أجل تخفيف غضب الشارع.

استمرت ادارة ترامب فى اعتبار ان العقوبات اداة رئيسية للضغط على ايران لدفعها للتفاوض حول اتفاق جديد من جهة واداة للرد على اى استفزازات إيرانية فى المنطقة العربية.

رداً على سياسة ترامب تستمر إيران فى رفض التفاوض، على الرغم من تعرض قطاعات هامة فى الاقتصاد الايرانى للعقوبات مثل النفط والمنتجات النفطية وصناعة السيارات .

الا ان الاحتجاجات الاخيرة والتى جاءت بعد القرار المفاجئ للحكومة في 15 نوفمبر 2019 برفع أسعار الغاز، وما نتج عنها من اعمال عنف ثم قمع امنى تعد أكثر أعمال القمع عنفا في تاريخ الجمهورية الإسلامية والتى راح ضحيتها نحو 200 مواطن حسب منظمة العفو الدولية. بما يعنى انه يجب أن تختار إيران الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وان قمع الاحتجاجات لا يعنى قدرة النظام الايرانى على الاستمرار دون خسائر، ومن ثم فإن استمرار السلوك الايرانى التوسعى، والتدخل فى شئون جيرانها والذى قد يستوجب بعض التدخل الخارجى فى اى احتجاجات تنشب داخل ايران، فضلاً عن غضب المواطنين فى الداخلمن الركود السياسي والاقتصادي، ومزيد من التضخم المرتفع والركود العميق وكذلك في الفساد المستشري وسوء الإدارة كل تلك العوامل ساهمت فى خلق وضع يمكن تفجيره من آن لأخر.