أوروبا وأمريكا وبينهما إيران: تضارب مصالح

كتب بواسطة: هوشنك اوسي نشر بتاريخ: الأربعاء، 23 أيار 2018 14:01

 

منذ استيلاء الخميني على الحكم في إيران سنة 1979، لم تطلق إيران الخمينيّة شعار "الموت للاتحاد السوفياتي" رغم ان السوفيات كانوا "كفّاراً وملاحدة" ويحتلّون أراضٍ "إسلاميّة" (أفغانستان). كذلك لم يقل الخمينيون: "الموت لأوروبا" رغم أنها حليفة أمريكا، وساهمت في إقامة دولة إسرائيل. واكتفت طهران الخمينيّة بالقول: "الموت لأمريكا" وخدعت بهذا الشعار الشعب الإيراني وكل الجماعات والتي تدين بدين اليسار المناهض لأمريكا! والحقّ أن الأخيرة لو كانت على حدود إيران، لما أطلقت هذا الشعار، ولربما قال الخمينيون: الموت للارجنتين.

 

الموقف الإيراني "المعادي" لأمريكا، ويدعوها عليها بـ"الموت" في العلن، يخفي خلفهُ رغبةً جامحة في التعاون، لكن على قاعدة "النديّة". وظهر ذلك جليّاً في التعاون الامريكي - الإيراني في أفغانستان وفي العراق، بهدف اسقاط نظامي "طالبان" و"صدام حسين"!

 

لا شكّ أن إيران، وفي إطار محاولة تحقيق النديّة والصراع على النفوذ مع أمريكا وإسرائيل في المنطقة، نجحت في خطو بعض الخطوات الهامّة إلى الأمام في ظلّ إدارة باراك أوباما، ومنها:

1 - السيطرة تماماً على العراق، وجعله محافظة إيرانيّة.

2 - السيطرة شبه التامّة على لبنان، بحيث صارت إيران على حدود إسرائيل.

3 - الحؤول دون إسقاط نظام الأسد الابن، بعد جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وما تبعها من هزّات عميقة لنظام الأسد

4 - إحداث شرح بين تركيا وأمريكا، وتوسع هذا الشرخ، عبر توريط النظام التركي في قضايا فساد وتعاملات اقتصاديّة ضخمة، الهدف منها كسر الحصار على إيران. ولعلّ قضيّة رجل الاعمال الإيراني - التركي رضا ضراب، هي رأس جبل الجليد في هذه المسألة. كذلك ردود الافعال التركيّة السلبيّة من توجيه ضربات أمريكيّة لنظام الاسد، على خلفيّة موضوع استخدام السلاح الكيماوي في منطقة دوما، ومن الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي مع طهران، يشيران إلى مدى انسجام أنقرة مع طهران، وابتعادها عن واشنطن!

5 - نجحت في الحؤول دون اسقاط نظام الاسد الابن مرّة أخرى، بعد اندلاع الثورة عليه في ربيع 2011، ودعمه بالمال والسلاح والميليشيات الشيعيّة الايرانيّة واللبنانيّة والعراقيّة والافغانيّة!

6 - نجحت في تقوية الحضور الروسي في سوريا بهدف تعزيز موقف نظام الاسد محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، عبر حوافز اقتصاديّة للشركات الروسيّة.

7 - نجحت في فتح قنوات اتصال بين الدوحة وأنقرة ونظام الأسد. وهذا ما تداولته مصادر إعلاميّة بريطانيّة.

8 - وربما الانجاز الابرز والاهمّ الذي حققته إيران خلال فترة ولايتي أوباما (2009-2017) هو ابرام الاتفاق النووي (5+1) في 2/4/2015 الذي يجيز لإيران استخدام الطاقة النووية لاغراض سلميّة، وتحت المراقبة والمتابعة الدوليّة، مع رفع العقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة - الأوروبيّة على إيران.

 

طبعاً، من الغباء والجهل الوثوق في أن إيران ستستخدم الطاقة النووية لأغراض سلميّة، وهي دولة دينيّة - طائفيّة، ثيوقراطيّة، وتتدخّل عسكريّاً في سوريا، العراق، لبنان واليمن، بشكل سافر!؟ لكن مصالح الدول الموقّعة على الاتفاق وليس مصالح أمريكا، كانت تدفع باتجاه التوقيع عليه.

 

في حملته الانتخابيّة، وضمن ما طرحه في برنامجه الانتخابي، أعلن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، أنه سيلغي الاتفاق النووي مع إيران. ونفّذ وعده، بالانسحاب منه يوم 9/5/2018، وأعاد العمل بالعقوبات الأمريكيّة على طهران. وفي كلمة له عقب توقيعه إعلان الانسحاب، حذّر ترامب من ان "كل بلد يساعد ايران في سعيها الى الاسلحة النووية، يمكن ان تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات شديدة". وفي هذا تلميحُ إلى الحلفاء الأوروبيين الذين أبدوا قلقهم وتحفّظاتهم على التلويح الامريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي، قبل التوقيع عليه وتأكيد الانسحاب. وقال أيضاً: تستحق إيران حكومة أفضل. ومستقبل ايران ملك لشعبها، وان الايرانيين يستحقون حكومة تحقق أحلامهم وتحترم تاريخهم". وفسّر بعض المراقبين كلام ترامب بأن الانسحاب من النووي، ربما يكون تمهيداً أو مقدّمةً لخطوات أكبر، من ضمنها استهداف النظام الإيراني نفسه.

 

وفي ما يتعلّق بالعقوبات، أعلن مستشار الامن القومي الامريكي جون بولتون: "إن اعادة العمل بالعقوبات الاميركية المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني ستسري فوراً على العقود الجديدة. وامام الشركات الاجنبية بضعة أشهر لمغادرة من ايران". بالتوازي مع ذلك، ذكرت وزارة الخزانة الامريكيّة ان العقوبات المتصلة بالعقود القديمة الموقّعة في ايران ستسري بعد فترة انتقالية من 90 الى 180 يوماً".

 

اعتراض أوروبي

جناحا الاتحاد الأوروبي؛ ألمانيا وفرنسا، مضافاً إليهما بريطانيا، ساندت بقوّة الضربات الأمريكيّة للنظام السوري، على خلفيّة ما أشيع عن استخدام الأخير الاسلحة الكيماويّة ضد المدنيين في مدينة دوما. كذلك تسعى الدول الاوروبيّة لاتخاذ مواقف أكثر حزماً وصرامة ضدّ روسيا التي باتت تهدد المصالح الأوروبيّة ليس في الشرق الاوسط وحسب وبل تهدد السيادة الأوروبيّة أيضاً. وفي هذا الملفّ، تتقاطع دول الاتحاد الأوروبي مع أمريكا، ويجمعها حلف الناتو. وعليه، حين وجّهت إدارة ترامت ضربات صاروخيّة إلى نظام الاسد، كانت بروكسل، لندن، باريس وبرلين تعرف أن الأمريكيين يقصفون موسكو وطهران، داخل الأراضي السوريّة. ولكن في ما يتعلّق الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بدا الموقف الأوروبي بالضدّ تماماً من قرار ترامب. حيث أعلنت مسؤولة الأمن والسياسة الخارجيّة في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني انهم "ماضون في الحفاظ على الاتفاق النووي الايراني". وخاطبت الإيرانيين بالقول: "لا تدعوا احداً يلغي هذا الاتفاق. انه من اكبر النجاحات التي حققتها الديبلوماسية، وانجزناه معاً. ابقوا اوفياء لتعهداتكم، وسنظل اوفياء لتعهداتنا. ومعاً ومع سائر المجتمع الدولي، سنحافظ على هذا الاتفاق النووي". مُعربةً عن "قلقها الشديد حيال اعلان ترامب معاودة العمل بالعقوبات الاميركيّة على طهران"، وذكرت أنه كان لرفعها "تأثير ايجابي على العلاقات التجاريّة والاقتصاديّة مع ايران، واتى بفوائد جوهرية للشعب الايراني". وأكّدت ان الاتحاد الاوروبي "مصمم على التحرك بما ينسجم مع مصالحه الامنية وحماية استثماراته الاقتصاديّة".

 

ويصف الاوروبيون الاتفاق النووي الايراني بأنه "تاريخي"، ويستندون الى ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثناء إجراءها عمليات تفتيش في ايران تؤكد بانتظام التزام طهران بنود الاتفاق الهادف لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الايراني. ووجهة النظر الأوروبيّة هذه، كان فحوى ردّ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على قرار ترامب.

أضف تعليق

أخر المقالات

فشل سياسة «شراء الذمم».. أمريكا...

لطالما بذلت المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة في محاولة للتغطية على جرائمها وانتهاكاتها في اليمن؛...